بملابسه البيضاء وجِلسته المختلفة التي هي أقرب إلى تلك التي جسدها التمثال الفرعوني الشهير المعروف باسم الكاتب المصري، وأمام ديكور هاديء يغلب عليه اللون الأبيض، يطل علينا يوميا الداعية الحبيب على الجفري بمشاركة الكاتب الصحفي والإعلامي خيري رمضان عبر فضائية CBC ببرنامج آمنت بالله، الذي يقدم طرحا جديدا ومختلفا للخطاب الدعوي الإسلامي بعيداً عن التطرف وأعتمادا على منهج الوسطية والاعتدال لمواجهة حالة الانفلات والفوضى الدعوية والفقهية.

   في تقديمه للبرنامج يقول الداعية الحبيب على الجفري أن جلسات البرنامج التي تعتمد فن الحوار الهاديء البعيد عن الإثارة والتهويل، تهدف إلى البحث عن نقاط الالتقاء (المتوافرة بالأصل) بين المتحاورين، وينقصها قلة الإنصات، لنصل في النهاية إلى شيء يمكن الأستفادة به من مجموع أختلافاتنا.

  البرنامج يقدم رؤية جديدة لمثل نوعيته من البرامج الدعوية والدينية، فقد تعودنا.. وتربينا منذ قديم الأزل على أن البرامج المتعلقة بتعاليم الدين بما تشمله من أحكام الكتاب والسنة النبوية المطهرة، يتم تقديمها بأسلوب من اثنين لا ثالث لهما، صارا مع الوقت منهاجا لا يمكن تغييره أو الحيد عنه.

   فإما أن ينبري شيخ جليل منفردا بتقديم مجموعة من الدروس أو العظات، وشرح بعض من آي الذكر الحكيم أو مواقف من حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأصحابه عليهم رضوان الله، وهي الطريقة التي ترتبط في العادة بالمناسبات، ما يتسبب في إفراغ البرنامج مع الوقت من أهميته ويجعله بلا هدف فعلي، لا سيما وأن معظم ما يقوله القائمين على مثل هذه النوعية مع كامل الاحترام لهم ولعلمهم موجود في الكتب ومن السهل العثور عليه في زمن التكنولوجيا الحالي.

  أما النوع الثاني وهو الغالب حاليا، فيقوم فيه مقدم برامج (ذائع الصيت) بإستضافة شيخ أو عالم بشكل دائم، أو بالتناوب بين عدد من العلماء والمشايخ، بحيث يتم تناول موضوع معين في كل حلقة، فيوجه المذيع أسئلة يرد عليها الشيخ، أو يستقبل كلاهما مكالمات هاتفية أو رسائل بريدية يتم الرد عليها خلال وقت البرنامج، ويعيب هذا النوع كسابقه أنه أيضا لا يقدم الجديد، ولا يعتبر هو النوع المنتظر للتوعية الدينية والتعريف بتعاليم الدين الإسلامي السمحة.

   لكن آمنت بالله يأتي بفكرة ثالثة، جديدة، إذ يتقاسم الثنائي رمضان والجفري تقديم البرنامج مستضيفين شخص ثالث (سياسي-فنان-رجل دين)، بحيث يدير الأول الحوار، ويتدخل الثاني برؤيته وعلمه كلما دعت الحاجة ليقدم وجهة نظر إسلامية في موضوع الحلقة الذي يتم اختياره بعناية ودقة، لإفادة المشاهدين.. لا تضييع وقتهم.

   وبرغم الملاحظات التي قيلت عن البرنامج لا سيما ملابس الحبيب على الجفري وجِلسته الغير معتادة في مثل تلك النوعية من البرامج، وأنه بهذا الشكل يرسخ لتعاليم محملة بأعباء الماضى الذى لا يعرف تطورا ولا مواكبة للواقع، إلا أن المتابع لحلقات البرنامج سيتأكد كم كان هذا الرأي محض أفتراء ومغالطة، فالرجل بسيط غير متكلف يسعى لإيصال مفهوم الدين الإسلامي ومواقفه من مختلف القضايا بإبسط وأسهل الطرق الممكنة.

   هذا الخطأ الشائع في الحكم على الأمور اعتمادا على المظهر الخارجي، هو ما تسبب في الفوضى الدعوية التي نعاني منها في الوقت الحالي، إذ جرى اتفاق غير معلن لربط ملابس الدعاة الجدد القادمة من بيوت الأزياء العالمية وبين تطور العقل وتطور الخطاب الدينى، وهو ما ثبُت خطأه.

   فعلوم الدين والفقه ورؤية المستقبل من خلال تعاليم الإسلام ووصايا الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم لا ترتبط بمظهر وملبس، وإنما تعتمد على جوهر نقي قادر على الشرح وإيصال المعاني دون تكلف أو استعراض عضلات.

   البرنامج الذي يستضيف عدد من نجوم المجتمع في الفكر والفن والسياسة، يكشف ببساطة كيف أن الأرض المشتركة موجودة وبها من نقاط الاتفاق ما يكفى للتعايش، لكن المشكلة متى نقرر خوض تجربة التحاور البناء دون التفكير في من سيهزم من، ومن سيعلو على من بالحجة والبرهان؟.

كتب/ حسام رمضان

المصدر : مدونة حسام